إنالقول بوجود ألفاظ أعجمية، اي غير عربية، فيالقرآن من جهة، والتصريح بأنالقران «عربي» و «عربي مبين» فيعدد منالآيات من جهة اخري أديا اليظهور شبهات عليالقرآن. فابتداءً منالايام الأولي لنزول القرآن و ظهور المعاندين حتي ظهور المستشرقين بالامس واليوم، كانالقول بوجود هذهالالفاظ حجة يتذرعون بها لالقاء هذهالشبهات. فمرة يقولون إن هناك تناقضاً صريحاً فيالقرآن، و مرة اخري يستندون علي وجود هذهالالفاظ للزعم بتحريف القرآن، و بانزاله الي مستويالاناجيل التي كتبها اناس ملهمون، و ذلك لكي يمهدوا الطريق لطرح شبهات اخري، بل سعوا احياناً الي جرح إعجاز القرآن.
إن وجود هذهالشبهات حث علماء العلوم القرآنية عليالبحث فيهذا الأمر و السعي فيازالة هذا التناقضالظاهري و الرد علي تلكالشبهات.
اثناء نزولالقرآن و بعيد ذلك اثار هذاالموضوع كلا من ابن عباس (ت 68 هـ) وابن جيد (ت 95 هـ) و وهب بن منبه (ت 114 هـ) بشكلهالأولي، ثم تابعهمالشافعي (ت 204 ه••) في «الرسالة» و «الأم». و فيالوقت نفسه، معالشافعي، تناولالموضوع كل من ابيعبيدة معمربنالمثني (ت 209 ه••) و ابي عبيدالقاسم بن سلاّم (ت 224 ه••).
بعد ذلك قام ابن جريرالطبري (ت 310 هـ) فيمقدمة تفسيره ببحث هذا الموضوع ايضا. و قام معاصره ابوحاتم الرازي (ت 322 ه••) بما عرف عنه منالتبحر فيفقه اللغة فتابعالموضوع في «الزينة»، ثم بما كان لدي ابن جني منالدقة (ت 392 ه••) تابعه في «الخصائص» بشكل فني. و فيالقرنالسادس قام كل من ابي منصورالجواليقي (ت 540 ه••) في «المعرّب منالكلام الاعجمي»، و ابن عطية (ت 546 ه••) في «تفسير ابن عطية» فيوقت واحد ببحثالموضوع ايضا. و فيالقرن السابع خصص لهالقرطبي (ت 671 ه••) فيتفسير «الجامع لأحكام القرآن» باباً. ثم قامالزركشي (ت 794 هـ)، العالمالمشهور فيعلوم القرآن في «النوعالسابع عشر» من «البرهان فيعلوم القرآن» تحت عنوان «معرفة ما فيه من غير لغةالعرب» و لكنه لم يختر قولاً معيناً.
ثم كتبالسيوطي (ت 911 ه••)، العالمالمتبحرالمعروف الذي أبلغالبحث في العلومالقرآنية الي أوجه، في «النوعالثامن و الثلاثون» تحت عنوان «فيما وقع فيه بغير لغةالعرب، بحثاً مسهباً فريداً بقي اثراً قيماً بعده يدل علي درايته و دقته فيالبحث.
و فيالعصرالحاضر تناول الدكتور عبدالصبور شاهين، فيكتابه «القراءات القرآنية في ضوء علم اللغة الحديث» و تحت عنوان «مشكلةالاصلالاعجمي» هذا الموضوع باسلوب فني تحقيقي مفصل، عليالرغم من أنه لم يعط رأيهالخاص فيه.
هناك بالطبع كتابات حديثة اخري حولالموضوع مطبوعة، إلاأنها فيالأعم الأغلب أوسع من بحثنا هذا.
قام عدد معدود منالمفسرينالشيعة و السنة بالبحث في تفاسيرهم عنالآياتالتي تصرح بكونالقرآن عربياً فيابحات قصيرة ضمنالكلام علي الالفاظ الاعجمية فيالقرآن. و لكي نطلع علي أهم تلك الآراء لابد لنا أن نقوم بجولة فيها:
إن الآيات التي تخصالموضوع يبلغ عددها 15 آية،ورد في 11 منها لفظ «عربي» او «عربياً» وفي 4 مواضع وردت لفظة «اعجمي».
1. إنّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِياً لَعَلّكُمْ تَعقِلُونَ (يوسف /2)
العلامةالطباطبائي يقول في ذيل هذهالآية:
«انزاله قرآناً عربياً هوإلباسه فيمرحلةالانزال لباسالقراءة والعربية و جعله لفظاً متلواً مطابقاً لما يتداولهالعرب من اللغة»
والشيخ الطبرسي يفسر «قرآنا عربياً» بقوله:
«لقد نزلالقرآن علي وفق مجاري كلامالعرب في محاوراتهم»
صاحب تفسيرالخازن عند تفسير هذه الآية، و بعد ان يشير الي اختلاف العلماء فيوجود الفاظ غير عربية فيالقرآنالكريم، يختار اقوال ابن عباس و مجاهد و عكرمة الذين يؤيدون وجودالفاظ غير عربية فيالقرآن، يقول رداً علي ابي عبيدةالذي ينكر وجود الفاظ غير عربية فيالقرآن:
«روي عن ابن عباس و مجاهد و عكرمة ان فيه من غير لسانالعرب، مثل: سجيل، والمشكاة، و اليم، و استبرق و نحو ذلك، و هوالصحيح المختار، لأن هؤلاء أعلم من ابيعبيدة بلسانالعرب، و عندما دارت عليالسنتهم صارت عربية فصيحة و إن كانت غير عربية فيالأصل، لكنهم لما تكلموا بها نسبت اليهم و صارت لهم لغة، فظهر بهذا البيان صحة القولين
2. وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إلاّ بِلِسانِ قَوْمِهِ (ابراهيم /4)
يستند عدد منالمفسرين علي هذه السنة الالهية بأنه لم يرسل رسولاً إلا بلسانالقوم الذين ارسل اليهم، و يقولون إن ظاهرالآية خير دليل علي عدم وجود الفاظ غير عربية فيالقرآن، مع أنالمقصود من «قوم» لا يعني أن يكونالرسول منتمياً برابطةالنسب اليالقومالذين ارسل اليهم، و أن يبلّغ دينالله و شريعته بلسانهم. يشيرالعلامةالطباطبائي فيتفسير الآية الي ذلك فيقول:
«والمراد بارسالالرسول بلسان قومه ارساله بلسانالقوم الذين كان يعيش فيهم و يخالطهم و يعاشرهم و ليس المراد به الارسال بلسانالقوم الذين هو منهم نسباً لانه سبحانه يصرح بمهاجرة لوط (ع) من كلدة و هم سريانيةاللسان الي المؤتفكات و هم عبرانيون، و سمّاهم قومه و ارسله اليهم...
والشيخالطوسي ايضايري أن الارسال بلسانالقوم يكفي أن يفهمالقوم ما يقول، من دون حاجة الي من يقوم بترجمة كلامالرسول. و هذا ما اورده بعينهالطبرسي فيتفسيره.
و ينقل الألوسي فيتفسيره لهذه الآية عن ابي بكر الواسطي فيقول: «و ذكر ابوبكر الواسطي أن فيالقرآن خمسين لغة. و سردها ممثلا لها إلا أنه ذكر أن فيه من غيرالعربية، الفرس و النبط، و الحبشة، و البربر و السريانية و العبرانية، و القبط...»
3. وَلَوْجَعَلْناهُ قُرآناً أَعْجَمِّياً لَقالُوا لَوْلا فُصّلَتْ آياتُهُ أأعْجَمِيٌ و عَرَبّي (فصلت /44)
ينقل العلامةالطباطبائي فيتفسير هذه الآية عن «مفرداتالراغب»: «العجمة خلاف الابانة، و الاعجام الابهام... و العجم خلافالعرب... والاعجم من فيلسانه عجمة، عربياً كان او غير عربي.»
ثم يستنتج من هذا التعريف قائلا: «فالأعجمي غيرالعربيالبليغ، سواء كان من غير اهلاللغة او كان منهم و هو غير مفصح للكنة فيلسانه.»
3. وَلَقَدْنَعْلَمُ أنَّهُمْ يَقُولُونَ إنّما يُعَلَّمهُ بَشَرٌ لِسانُ الّذِي يُلْحِدُونَ إلَيْهِ أعْجَمِيٌوَ هَذالِسانٌ عَرَبِيّ مُبِينٌ (النحل / 103)
بعضالمفسرين يشيرون فيذيل هذهالآية الي هذا التعريف عنالأعجمي، فالشيخالطوسي يقول:
«الأعجمي الذي لايفصح، والعجميالمنسوب اليالعجم، والأعرابي البدوي والعربيالمنسوب الي العرب.»
يقول الطبرسي إنالسبب فيعدم استعمالالله تعالي لفظ «عجمي» بدلاً من «أعجمي» هو اختلاف اللفظين فيالمعني، وإن لفظ «عجمي» منسوب الي العجم و إن يكن فصيحاً. أما «الأعجمي» فهو غيرالفصيح فيكلامه و إن يكن عربياً. ثم يضيف قائلا:
«ألا ترون أن سيبويه كان منالعجم و إن كان لسانه عربياً»
في تبيان معني الأعجمي ينقل الفخرالرازي عن ابيالفتح الموصلي قوله:
«يطلقالعرب علي من لا يعرفالعربية و يستطيع التكلم بها لفظ الأعجم و الأعجمي.»
أما الزمخشري فيقول موجزاً: «الأعجمي غيرالبيّن»
نكتفي بهذا القدر منالاشارة الي آراءالمفسرين فيبيان معني الآياتالمختصة بهذاالموضوع. إنما نؤكدأنالمقصود من «الأ عجمي» في هذهالمقالة أخص منالتعريفالذي ذكرهالعلامة الطباطبائي بعد نقل قولالراغب في ذيل الآية 44 من سورة فصلت. انالقصد منالالفاظ الأعجمية في هذهالمقالة هيالالفاظ غيرالعربية. إن عدداً من مبلغي الأديانالاخري و المستشرقين يعتبرون وجود الالفاظ غيرالعربية فيالقرآن ضرباً منالتحريف فيالقرآن، او إنالرسول (ص) قد اقتبس من الأديان و الأقوام الاخري. و يطلق علي هذهالالفاظ اسم الالفاظ الدخيلة.
يقولالقرآن: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إلاّ بِلِسانِ قَوْمِهِ (ابراهيم / 4)
و لما كان لسان محمد (ص) عربياً و كان قومه عرباً. فلا شك في انالكتاب الذي انزل عليهم كان باللغةالعربية. و هذا ما ينص عليهالقرآن نفسه: إنّا أنْزَلْناهُ قُرآناً عَرَبيّاً لَعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ (يوسف /2)، بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ¨ مُبِينٍ (الشعراء / 195)
كذلك يجمعالمفسرون والمختصون بالعلوم القرآنية علي أن اسلوب القرآن عربي والقرطبي (ت 671 ه••) ممن يؤكد هذاالإجماع و يقول: «يري المفسرون و علماءالعلومالقرآنية جميعاً ان ليس فيالقرآن كلام مركب بأسلوب غير عربي»
إذن فليس فيالقرآن كلام مركب إلا الكلام العربي القائم علي اساس من قواعداللغةالعربية و نحوها، و هذا امر مفروغ منه لا نزاع فيه. أما الالفاظ المفردةُ فيالقرآن، والتي هي مدارالبحث، فيمكن تصنيفها الي اسماء الاعلام و غيرالاعلام. و عندالتدقيق فيما كتبه العلماءالمختصون نجدأنهم يجمعون علي وجود اسماء اعلام غير عربية فيالقرآن مثل: ابليس، انجيل، طالوت، هارون، يأجوج و غيرها. يقول القرطبي في هذا الشأن:
«لاخلاف بين الأئمة انه ليس فيالقرآن كلام مركب عليأساليب غيرالعرب، و إن فيه اسماء أعلاماً لمن لسانه غيرلسانالعرب، كاسرائيل و جبريل و عمران و نوح و لوط. واختلفوا هل وقع فيه الفاظ غيراعلام مفردُة من غير كلام العرب...»
والسيوطي، بعد أ ن يورد استدلال القائلين بوجود الفاظ اعجمية فيالقرآن، و هو قولهم: «دليلنا هو إجماعالنحويين علي ان (ابراهيم) ممنوع منالصرف للعلمية والعجمة [اي إن فيالقرآن الفاظاً غير عربية]، يقول: «هذا الاستدلال مردود لأن الاعلام ليست محل نزاع.»
و عليه فان موضعالنزاع ينحصر فيالالفاظ المفردة الأعجمية باستثناء الاعلام. [بعبارة أدق، الالفاظ، غيرالاعلام، المستعملة فيالقرآن و فياللغات الاخري بمعني واحد].
لايذكرالقائلون بوجود الفاظ أعجمية فيالقرآن عدد هذه الالفاظ، و ذلك لوجود خلاف حول أعجمية بعض الالفاظ، و التي يعبر عنها بعبارة «ماقيل بأعجميتها» كما أن ميزانالتتبع و الاستقراء ليس متساوياً عندالقائمين بهما، فبعض منهم، كالسيوطي، قضي سنوات فيالتتبع وإعداد الفهارس لها، فيما اكتفي بعض آخر بنقلالفاظ محدودة.
من بين علماءالعلومالقرآنية الذين عُنوا بجمع هذه الالفاظ يمكن الاشارة الي ابي حاتمالرازي (ت 322 ه••)، و ابي منصورالجواليقي (ت 540 ه••)، والزركشي (ت 794 ه••) والسيوطي (ت 911 ه••) والدكتور عبدالصبور شاهين. الزركشي لم يحص سوي 24 لفظة أعجمية فيالقرآن، بدون أن يذكر إن كان هو الذي تتبعها و أحصاها، و لا إن كانت هذه كلها.
يذكرالسيوطي كتاب «المهذب فيما وقع فيالقرآن منالمعرّب» و يقول انه اوردها مفصلة فيه، و ذكر خلاصتها في «الاتقان». و بعد ان يورد اقوالالمنكرين و المجوزين و رأيهالخاص، يذكر بالترتيب الهجائي 116 لفظة، ثم يقول: «لم ترد هذه الالفاظ في اي كتاب من قبل.»
و لا شك انه في تدوين هذهالمجموعة قد استعان بكتاب «الزينة» لأبي حاتم احمدبن حمدان اللغوي الرازي، و بكتاب «المعرّب» لأبي منصور الجواليقي.
أما الدكتور عبدالصبور شاهين فيورد الالفاظ الاعجمية، في تحقيق قيم، بصورة مجموعات منفصله (سامية، هندية، اوربية، حامية، طورانية)، ثم يقول ان هذه ليست جميعالالفاظ الاعجمية فيالقرآن. و هو قد اعتمد مصدرين أساسين هما كتاب «الزينة» و «الاتقان» كما انه راجع كتاب «المعرّب» ايضا.
إن وجود هاتينالمجموعتينالقديمة و الجديدة في «الاتقان» و «القراءات القرآنية» تغنياننا عن تكرار هذه الالفاظ في هذا المقال.
منالجدير بالذكر إن الالفاظ الاعجمية فيالقرآن لا تنحصر فيالالفاظ المنقولة عليالمشهور، إذ إننا نشاهد في متابعات بعضالمستشرقين الفاظاً اخري اضافة الي مجموعةالسيوطي في «الاتقان». (رو جيه بلاشر) المحققالفرنسيالمعروف و الذي له في بعض المباحث القرآنية دراسات واسعة و عميقة و منصفة الي حد ما، يشير الي مجموعة منالكلماتالآرامية و السريانية والعبرية، و يؤكدانالعرب قداستعملوا، بسبب مجاورتهم لليهود و الامم الاخري، الفاظاً مثل: «قرأ، كتب، كتاب، تفسير، تلميذ، فرقان، قيوم، زنديق.»
فيعلوماللغة يصطلح علي استعمال لفظة فيلغتين و اكثر بالمعني نفسه باسم «تواردالالفاظ». فمثلاً، فياللغتينالعربية والحبشية لفظة «قسورة» (المدثر / 51) من الالفاظ المتواردة، فهي تستعمل فياللغتينالعربية والحبشية بالمعني نفسه، فالتوارد هوان تستعمل لفظة واحدة او معني واحد فيلغة، ثم ينتقل استعمالها مصادفة الي لغة اخري بالمعني نفسه. و بناء علي ذلك يحدثالتوارد بالمصادفة، و لهذا قد يطلق علي ذلك اسم «التواردالتصادفي».
ينكرالقائلون بتواردالالفاظ كل انواع الاخذ والاستعارة من لغة الي اخري، ويرون ان استعمال اللفظة الواحدة و بالمعني الواحد فيلغتين او اكثر لا يكون إلا من بابالمصادفة.
نكتفي بهذا القدر من معرفة تواردالالفاظ.
فيعلماللغات، الأخذ او الاستعارة عبارة عن استعمال لفظة اوالفاظ من لغة فيلغة اخري، بحيث يكون هذا الاخذ والعطاء من لغة تكون هيالاصل الي اخري هيالفرع. ان استعارة لغة من اخري عن طريقالمجاورة اوالعلائق الاقتصادية اوالروابط الثقافية اوالهجرة و غير ذلك امر لا مفر منه حسبمايري اهل هذاالفنّ، إلا انالتمييز بين اللغةالاصل و اللغةالفرع أمر صعب، و معظمالاحكام فيهذا الباب تصدر علي اساس منالظن والتخمين، لا علي اساس علمي متقن، عليالاخص اذا كانت المقارنة بين لغتين متقاربتين و متشابهتين. يقول (ثيودور نولد كه) المستشرقالالماني:
«كلما كانالتشابه بين لغتين أكبر، كانالتمييز بين اللغةالمعيرة واللغةالمستعيرة أصعب.»
اما مصطلحالكلماتالدخيلة فيطلق عليالالفاظ التي تستعار من لغة اخري. اما فياللغةالعربية فلوجود القياسات والاوزان الفنية يمكن معرفةالاصيل منالدخيل، و من ذلك قياس ابن جني، فهو يقول: «إن ما يمكن قياسه علي كلام العرب فهو عربي.»
1. قبل نزولالقرآن، علي أثر مخالطةالعرب الاقوام الاخري و أسفارهم والهجرة الي الدول المجاورة، كالشام و فلسطين والحبشة وايران و غيرها تسربت الفاظ غير عربية الي اللغة العربية و دخلت حتي في شعرهم واعتبرهاالعرب عربية فصيحة. ثم عند ما نزلالقرآن بلسان عربي فصيح، استعمل تلك الالفاظ الاعجميةالاصل.
ابن عطية (ت 546 ه••) فيمقدمة تفسيره، يقول، كأحسن عالم من علماءاللغةالمحدثين، مستنداً عليالاستدلال العلمي القويم، و بعيداً عنالادلة الخطابية، ان اللغةالعربية اخذت مناللغاتالاخري، فيقول ما خلاصته:
«لقد اختلطتالعرب العاربة الذين نزل القرآن بلسانهم معالاقوام غيرالعرب و ترددوا عليهم عن طريقالتجارة والسفر الي المصايف والمشاتي و غير ذلك، مثل سفر ابي عمرو اليالشام، و سفر عمربنالخطاب و عمروبنالعاص و عمارة بنالوليد اليالحبشة، و سفرالأعشي الي الحيرة و مقابلته للنصاري هناك، و هو حجة فياللغة. و بناء علي ذلك فان هذه هي الطرق التي دخلت منها ألفاظ غير عربية الياللغة العربية، و بعد حذف بعض الحروف او تخفيفها، دخلت تلك الالفاظ فيالشعرالعربي و فيالكلام اليومي حتي ظهرت فيصيغ عربية فصيحة، و علي هذاالحال نزل بها القرآن.
و ليس منالمستغرب ألاّ يعرفالعرب معاني هذه الالفاظ لأنها ليست عربية فيالأصل، بمثلما كان ابنعباس يجهل معني «فاطر». و عليه فقد كانت تلك الالفاظ غير عربية، و لكنالعرب عرّبوها واستعملوها فيلغتهم، و علي هذا الاساس، فهي عربية.»
و في بحث عن لفظ القرآن يقول الدكتور صبحي الصالح في مضمار اشارته الي اقوال مستشرقين مثل (بلاشر) و (برگشتراسر):
«اما لفظ (قرأ) بمعني (تلا) فقد اخذهاالعرب من اصل آرامي و تداولوها. فمنالمعروف، كما يقول G. Bergstrasser، اناللغات الآرامية والحبشية والفارسية تركت فيالعربية آثاراً لا تنكر، لانها كانت لغاتالاقوام المتمدنة المجاورة للعرب فيالقرون السابقة للهجرة.
و مالنا نستغرب هذا و لا نصدقه و نحن نعلم ان لهجات الآرامية المختلفة كانت تسود كل بلاد فلسطين و سورية و بينالنهرين و بعضالعراق؟ و نعلم ايضاً ان جوارالعرب لليهود الذين كانت لغتهم الدينية الآرامية، عجّل في انتشار كثير منالالفاظ الدينية الآرامية؟ و قد اشار الي هذا المستشرق (كرنكو) Krenkow في بحثه عن لفظ (كتاب) فيدائرةالمعارف الاسلامية.
كذلك يقول (بلاشر) Blacher، بعد ذكر عدد منالكلمات الدينية الارامية و السريانية و العبرية، مؤكداً انالعرب اقتبست هذه الالفاظ ممن جاورهم منالاقوام اليهودية و غيرهم و استعملوها فيلغتهم.
2. فيالقرآن الفاظ غير عربية. و فيما يتعلق بقولالله «قرآناً عربياً» (يوسف /4) قالوا: ان امثال هذهالالفاظ فياللغةالعربية من القلة بحيث انها لا تخرج اللغة من عربيتها، بمثلما ان وجود بضعةالفاظ عربية في قصيدة فارسية لا تخرجالقصيدة من كونها فارسية.
3. يقول السيوطي:
«وقوع الأعلام غيرالعربية فيالقرآن امر مجمع عليه، فما المانع من وجود عدد من الالفاظ غيرالعربية، عدا الأعلام، فيالقرآن؟»
4. ثمة آخرون، كالزمخشري، يرون أن الالفاظ التي لا تكون علي احد الاوزان العربية، كأنجيل [بموجب قراءة حسن الذي قرأها بفتحالهمزة] دليلاً علي وجودالفاظ اعجمية فيالقرآن. و تعليقاً علي قولالله: وانزلنا التوراة و الانجيل يقول:
«التوراة والانجيل اسمان اعجميان، و قد تكلفوا اشتقاقهما من الوري و النجل تكلفاً، و وزنا هما بتفعلة وافعيل انما يصحان بعد كونهما عربيين و قد قرأالحسن الأنجيل بفتحالهمزة، و هو دليل عليالعجمة، لأن أفعيل، بفتحالهمزة عديم فياوزان العرب»
و في موضع آخر من تفسيره، يصرح بكونهما اعجميي الاصل و انهما معرّبتان: «المسيح لقب منالالقاب المشرفة، كالصدّيق، والفاروق، واصله مشيحا بالعبرانية و معناهالمبارك، كقوله: وَجَعَلني مُبارَكاً أَيْنَما كُنْتُ، و كذلك عيسي، معرّب ايشوع و مشتقهما منالمسح و العيس، كالراقم فيالماء.»
5. هناك ادلة نقلية عديدة علي وجودالفاظ من لغات اخري فيالقرآن، و هي مما يعتبرها السيوطي من اقوي الادلة علي وقوع الفاظ اعجمية فيالقرآن، فبعد ذكر بعضادلة القائلين بذلك، يقول:
«و اقوي ما رأيته للوقوع، و هو اختياري، ما اخرجه ابن جرير بسند صحيح عن ابي مسيرةالتابعي الجليل، قال: فيالقرآن من كل لسان. و روي مثله عن سعيد بن جبير و وهب بن منبّه.»
و يستنتج من ذلك:
انالحكمة في وقوع هذهالالفاظ فيالقرآن هوان علوم الاولين و الآخرين و «نبأ كل شيء» موجود فيالقرآن. لذلك تجبالاشارة الي انواع الألسن فيالقرآن لكي تحصل احاطته «بكل شيء»
و فيالنهاية يشير الي ابنالنقيب الذي قال في هذا الشأن:
«ان من امتياز القرآن علي سائرالكتب السماوية هوان تلك الكتب نزلت بلغة قومها، و لم تكن فيها لغة اخري، بينما القرآن اضافة الي اشتماله علي مختلف اللغات [اللهجات]العربية، جاءت فيه لغات اخري غير عربية، مثل الرومية و الفارسية و الحبشية بصورة واسعة.»
1. نزلالقرآن باللغةالعربية و جميع مفرداته و عباراته عربية، و ما ورد فيه مما ينسب الي اللغات الأخري انماهو من باب التوارد بين اللغات.
خلاصة قولالشافعي (ت 204 ه••) هي: القرآن نفسه يقول انه لم يأت إلا بلسان عربي، والالفاظ الاعجمية الموافقة للعربية فيالقرآن هو من باب التوارد و التوافق.
ابو عبيدة معمربنالمثني (ت 209 ه••) المعاصر للشافعي يدلي برأيه عليالمنوال نفسه.
ابن جرير الطبري (ت 310 ه••) يستند الي ظاهر قولالله تعالي:
إنّا أَنْزَلْناهُ قُرآناً عَرَبيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (يوسف /2) و يقول ما ملخصه: «لا يجوز لمن وهب فطرة سليمة و يؤمن بالقرآن و يعرف حدودالله ان يظن ان بعض كلمات القرآن فارسية، لاعربية، و بعضا آخر نبطية، لاعربية... بعدان قالالله تعالي عنالقرآن: إنّا أَنْزَلْناهُ قُرآناً عَرَبِيّاً»
و هو يؤكدالتوارد فياللغات فيالكلمات المذكورة و يقول تحت عنوان «القول فيالبيان عنالأحرف التي اتفقت فيها الفاظ العرب و غيرها من بعض اجناس الامم». ثم ينكرالقول بأن اللغة العربية اخذت و استعارت منالآخرين، و يقول ما ملخصه:
«لاالعربية اولي أن تكون اصلاً لهذهالكلمات و لا الأعجمية أحق أن تكون فيها جذورها التي اخذتها العربية منها، و إن من يدعي ذلك فلابد من خبر يقين يثبته.»
ثم يضيف قائلا:
«يستحسن أن نطلق علي هذهالكلمات اسم عربية - اعجمية، او حبشية - عربية، لأنها تستعمل بالمعني نفسه في كلتااللغتين.»
2. ابن فارس (ت 395 ه••) يقول:
«إن وجود الالفاظ الأعجمية فيالقرآن يحمل الآخرين عليالقول بأن اشتمال القرآن عليالفاظ غير عربية جعل العرب عاجزة عنالاتيان بمثله...»
3. و قال آخرون:
«جميعالالفاظ المذكورة عربية صرف، إلا ان اتساعاللغة العربية هذا الاتساع الواسع، يجعل من غيرالمستبعد ان تكون هذه الالفاظ قد خفيت حتي علي كبار الصحابة، بمثلما إن ابن عباس لم يكن يعرف معني (فاطر) و (فاتح) [لعله كان يظنها غير عربية.]
ابو عبيدالقاسم بن سلاّم (ت 224 ه••)، بعد ان يصفالقائلين بالوقوع بالفقهاء، و المنكرين بادباءالعرب، و ينبري لعقد مصالحة بين الطرفين، يقول ما ملخصه:
«إني اوءمن بالرأيالذي يؤيدالقولين، اذ ان جذوز هذه الالفاظ اعجمية، كما يقول فقهاء اللغة، و لكنها قد استعملها العرب بعد ان عربوها فاصبحت عربية. ثم نزلبها القرآن. اذن فالذين يقولون ان هذه الالفاظ عربية، و الذين يقولون انها اعجمية صادقون فيما يقولون.»
و بعد ان يقتبسالسيوطي هذا الرأي يقول:
«لقد كان الجواليقي و ابن الجوزي و آخرون يميلون الي هذا القول.»
و ابن فارس ايضا بعد ان ينقل قول ابي عبيد يقول:
«اذن فرأيابيعبيد صحيح، عليالرغم من أن عدداً منالمتقدمين يرون رأياً آخر.»
بالنظر الي المباحث السابقة يتضح لنا ان ابا عبيد منالقائلين بأخذ اللغةالعربية مناللغات الاخري، و ينكر توارداللغات و عليه فانه اقرب الي تأييد القائلين بوقوع الفاظ أعجمية فيالقرآن من ان يؤيدالطرفين و يصالح بينهما.
رأينا المختار هوالقول بوجود كلمات اعجميةالاصل فيالقرآن. غير ان الاسلوب المنطقي للبحث يستدعي اولاً ردالقائلين بعدم وجودها، ثم نشرع ببيانالادلة المؤيدة لرأينا.
اهم دليل يتمسك بهالمنكرون هو تواردالالفاظ الذي تمسك به الشافعي و ابو عبيد و ابن جريرالطبري. والظاهر انهم رأوا أن القول بوجود الفاظ اعجمية فيالقرآن يضعف من شأن هذا الكتاب السماوي و المعجزةالكبري للرسولالكريم، و استندوا في تأييد رأيهم علي ظهور الآيات و التمسك بالتوارد، مع أن هذاالتوارد يفسر آخر الامر وجود بضع كلمات اعجمية فيالقرآن، و ليس وجود اكثر من مئة لفظ احصي وجودها فيالقرآن، معالعلم بأن هذهالالفاظ قد وردت فيالعربية قبل نزول القرآن، و هي علي كل حال ظاهرة ترجع الي اللغة و لا علاقة لها بنزول القرآن، إذ أنالقرآن قد نزل بلغةالعرب، تلك اللغة التي لا شك في انها قد تأثرت باللغاتالاخري و اخذت كلمات اعجمية و استعملتها بعد تعريبها قبل سنوات من نزول القرآن بحيث ان ذلك لم يعتبر مخلاً بالفصاحة.
والشافعي الذي ينكر بشدة وجودالالفاظ الاعجمية فيالقرآن، و يقول إن مخالفي رأيه لا يملكون دليلا يؤيد هم، قد استند الي التوارد و لم يأت بدليل علي اثباته، معالعلم ان ما هو من بابالتوارد يعتبر فيالواقع ضرباً منالاستعارة مناللغات الاخري بسبب اختلاط العرب بغيرهم،
و هو امر بديهي و واقعي و لا يمكن انكاره، كما أن العلائق و الارتباطات الواسعة فيالوقت الحاضر تتطلب المزيد منالاستعارة مناللغات الاخري، بحيث اننا نجد في كثير مناللغات، بما فيها اللغةالعربية، الفاظاً لا تينية بعينها، من دون تغيير لا فياللفظ و لا في الشكل و لا حتي وجود ( ال•• ) الملازمه للاسماء فيالعربية فيها.
و بناء علي ذلك، و عليالرغم من صعوبة اثبات أصالة بعض الالفاظ بالدليل القاطع علي انها عربية، إلا أن هناك شواهد تاريخية كثيرة علي عدم امكان انكار وجود «الاخذ و الاستعارة» بيناللغات، و اعتبارها جميعاً من باب توارد الالفاظ من دون اقامةالدليل علي ذلك. إنالتوارد الذي يستبعده اهل الفن و لا يقبلون به إلا فيحالات نادرة، هوالذي اورده ابن عطية في رده عليالطبري، فيقول فيما يقول:
«إن رأيالطبري القائل بأن كلتا اللغتين قد ا ستعملتا تلك الكلمات من بابالتوارد رأي مستبعد، والأصح إن احدي اللغتين غالباً هي الأصل والاخري هيالفرع و ما قولنا «غالباً» إلا لأننا لا نستبعد ان استعمال هذهالكلمات فياللغتين كان من باب الاتفاق والمصادفة.»
كذلك ابن عباس و امثاله الذين ذكروا تلك الالفاظ الدخيلة لم يشيروا بشيء اليالتوارد والاتفاق، و هذا نوع منالتأييد الضمني علي اخذ هذهالكلمات من اللغات الاخري، حتي إن لم نعرف الاصل من الفرع. و علي الرغم من التتبع الكثير لم نعثر علي حديث عنالنبي (ص) و لا عنالامام علي (ع) خلال فترة نزول القرآن و بعده، يشير فيه الراوي الي انه سألهما عن كون هذهالكلمات دخيلة واعجمية الاصل. فالحق اذن هوان وجود هذهالالفاظ الاعجمية فياللغة العربية ليس من باب التوارد، بل هو من باب الاخذ والاستعارات الجارية بين اللغات، عليالرغم من صعوبة التمييز بين اللغةالمستعيرة و اللغة المستعار منها بالنظر لعدم وجود مصدر معتمد يتناول دراسة مقارنة لاصول المفردات فياللغات السامية. و في هذا يقول مترجم كتاب «الالفاظ الدخيلة فيالقرآن المجيد»:
«منالمؤسف ان لا تكون هناك فيكتاب (والده يوكورني) اشارة الي الاصول اللغوية للغات الهندو - اوربية او الهند و - المانية، لكي يمكن الرجوع اليها واعطاء رأي قاطع فيالاصول السامية و معانيها و انتقالها الي اللغات التوأم لها.»
أما دليلنا علي وجود الفاظ اعجمية فيالقرآن، اضافة الي الادلة التي اوردها القائلون بذلك، فهو أن تعبير «عربي مبين» او «بلسان عربي» لا يتنافي مطلقا مع استعارةالعرب مناللغات القديمة المجاورة لهم، كالسّريانيّة، والعبرية، والحبشية، والفارسية. اما الشافعي و ابو عبيد وامثالهما الذين ينكرون الاخذ من اللغاتالاخري، فانهم ينكرون واقعاً تاريخياً من دون اراءة دليل. ان الاختلاط والامتزاج اللذين نشهد اليوم تفاقمهما، و يكاد يؤدي الي وضع معاجم مستقلة للكلمات الدخيلة الي كل لغة مناللغات، يعد من الامور الطبيعية المسلم بها في تاريخ البشر، و كلما كان هذا الامتزاج اكثر، كان تأثير ذلك أوسع، عليالرغم من صعوبة التمييز بينالاصل و الفرع. نلاحظ، مثلا، أن اتصال العرب القدامي بالحضارة الصينية كان عديم الوجود، او كان علي ادني حد ممكن، لذلك فنحن لم نسمع بوجود لفظة صينية فيالقرآن، أو أي لغة قديمة اخري لما قبل آلاف السنين من دون ان تكون علي اتصال بالعرب. ان الأدباءالعرب يتنا قشون اليوم في كون اللغة العربية امتلأت بالالفاظ غيرالعربية بسبب الاختلاط و الترابط الاقتصادي و السياسي و الثقافي و التجاري و غيرها، بحيث انها تحتاج - كما يقول احدهم - الي سيبويه جديد ليقوم بانقاذ اللغة العربية منالدخيل عليها مناللغات الاخري و التي بدأت قبلالاسلام.
ثم من جهة اخري، علي اثر ظهور علوم جديدة مثل علم اللغة الاجتماعي و علم نفس اللغة و فقهاللغة، اصبح من الواضح اليوم أن تداخل الألسنة و تبادل الاستعارات اللغوية نتيجة طبيعية لاحتكاك الاقوام فيما بينها. و من حيث وجهة النظر التاريخية فان لغات الاقوام المتجاورة تتأثر بعض ببعض بسبب العلاقات التجارية و الثقافية و الدينية و غيرها، و لا يستثني العرب من هذه القاعدة. يقول احدالكتاب المعاصرين في هذا الشأن:
«إن عملية اقتراض الألسنة بعض من بعض ليست امراً جديداً، و يعود تاريخها الي تاريخ ظهور اللغات نفسها، و اللغةالوحيدة المستثناة فيها هي اللغة المعزولة المنزوية و المقطوعة عن كل علاقة اجتماعية و ثقافية، و تكون مستغنية عن كل حاجة او ارتباط بالآخرين. و بديهي إن لغة كهذه لاوجود لها فيالعالم. والواقع ان وجود لغة خالصة تماماً بحيث ان اذيال كبريائها لم تتسخ بغبار اية لغة اخري انما هو اسطورة محض. ان الدّراسات العلميه فيعلوم اللغة تدل علي ان اللغات جميعا متمازجة من حيثالمفردات، بل ان نسبةالدخيل في بعض اللغات مرتفعة جداً، كاللغة الالبانية، مثلا، فمن مجموع 5140 مادة لغوية وردت في احد معاجمها المعتبرة نجدانالمفردات الالبانية الاصيلة لاتتجاوز 430 مفردة، والباقي (4710) مفردة مأخوذة من لغات اخري، كاليونانية، و الرومانية، و السلافية، و التركية، و فيها 730 لفظة مجهولةالاصل. كذلك الأمر فياللغة الارمنية القديمة، فقاموسها الذي يضم 1940 مفردة، الاصيل فيها 438 مفردة والباقي مستعار من لغات اخري.»
منالملاحظ اليوم أن لغات سكان الموانيء مليئة بالاستعارات من اللغات الاخري عن طريقالسياح و العمال و التجار و غيرهم منالاجانب الساكنين معهم. و كمثال بارز علي ذلك انتشار الاصطلاحات الا نجليزية فيلغة اهالي موانيء ساحل الخليج الفارسي بوساطة شركاتالنفط. بناء علي ذلك، فان عجمة هذهالالفاظ (اي دخولها فياللغة العربية قبل نزول القرآن) أمر لا يعتورهالشك فينظرنا، و هولا يناقض عروبة القرآن ابداً، بموجب الادلة التي مرّ ذكرها.
لقداشرنا الي هذا فيموضوع «الوحي فياللغة» حيث قدمنا تفصيلا منقولاً عنالمعاجم المعتبرة. إلا اننا هنا نتعمق قليلاً لاهمية الكلمة في بحث الالفاظ الاعجمية فيالقرآن.
بعدالتدقيق و التفحض في ما كتب عنالألفاظ الأعجمية فيالقرآن لم نعثر علي ايتصريح او اشارة الي كون هذهاللفظة اعجمية تاريخياً، خاصة اننا نعلم أن الكلمات الأعجمية المعرّبة غالباً ما تكون جامدة، اولها مشتقات قليلة، فيما نجد لكلمة «وحي» اكثر من عشر صيغ مشتقة تكررت فيالقرآن نحو 78 مرة، و ليس ثمة ما يدل علي ان الصحابة او التابعين قد سئلوا عن هذهالكلمة أهي اعجمية ام لا.
ثم إن كلمة «وحي» ليست علي الاوزان الاعجمية و ليس فيها اي علامة تدل علي تعريبها، إذ ان الكلمات الاعجمية الدخيلة تحمل علي جبينها سمة التعريب، واهمها:
1. دخول (ال•• ) عليها.
2. تبديل حرف او عدد من حروفها
3. الحاق علامات الاعراب و التنوين علي آخرها.
أي اذا وقعت اللفظة الاعجمية فيالكلام العربي فاعلاً كانت مرفوعة، و اذا وقعت مفعولاً كانت منصوبة، و هكذا . ثم من جهةاخري صيغة هذه الكلمة فياللغات العبرية و الآرامية والحبشية ذات الوزن المختص بهذه اللغات، يختلف عنالوزن العربي.
يقتبس السيد (راميار) منالدكتور جواد علي قوله:
«ان الاعتقاد بالوحي موجود عنداليهود والنصاري ايضا، و للوحي عندهم درجات، و هي فيالعبرانية والآرامية (اوحي Aohy) و في الحبشية (وحي Wahaya).»
و حتي لواخذنا بنظرالاعتبار استعمال كلمه (الوحي) بمشتقاتها الكثيرة فيالشعر العربي الجاهلي قبلالاسلام و وجودها التاريخي القديم فياللغةالعربية و لبعض الادلةالاخري التي تقوي من كونها عربية، فما يزال هناك احتمال انالعبريين والاحباش و غيرهم قد اخذوا هذهالكلمة من العرب، و بعد ادخال تغييرات عليها، استعملوها فيلغاتهم، عليالرغم من أن إثبات هذهالاستعارة يتطلب سنداً تاريخياً موثوقاً به. و فيالنهاية، اذا كانت الروايات العديدة، كتلك الدالة علي اعجمية (قسورة) و (سجيل) و غير هما، صادقة ايضا في حق كلمة (الوحي) فليس منالمستعبد القول بأعجميتها، و لم نكن لنضحي بالقول التحقيقي العلمي في سبيلالقول المتعصب الجاهل.
اذن، لما كنا نفتقر الي دليل علي عجمة كلمة (الوحي) و مشتقاتها، فلا بدلنا من أن نقول بعروبتها الأصيلة.